عندما قامت الثورة المصرية كان لها عيب رئيسى- رغم أن البعض اعتبره من مميزات الثورة - وهو عدم وجود قائد لها.. وأخطر ما فى هذا العيب أن الثورة تحولت فيما بعد لسفينة بدون ربان يوجه دفتها، وسط الرياح العاتية، وأصبح كل تيار سياسى يسعى لاختطاف الثورة أو على الأقل فرض أفكاره ومنهجه على الجميع.
وللأسف فإن الأعلى صوتا والأكثر إمكانيات كان دائما من يفرض اتجاهه حتى لو تناقض هذا الاتجاه مع طبيعة الشعب المصرى، ونمط حياته وطباعه كشعب متسامح محب للحياة، وهو ما حول المرحلة الانتقالية الممتدة إلى مرحلة انتقامية وصراع بين كل مفردات المعادلة السياسية بمصر، وأصبحت السمة الغالبة هى التخوين وتصفية الحسابات والإقصاء ورفض كل من له رأى مخالف، وعلت الانتهازية والأنانية على القيم النبيلة التى اتسم بها الشعب المصرى، والشباب الذى انتفض لتحقيق أهداف نبيلة ولم يكن فى ذهن أى منهم إقصاء أو انتقام بل كان كل هدفهم هو وطن جميل يتسع للجميع ويحظى كل مصرى فيه بحياة كريمة واحترام وبحقوق مواطنة كاملة. ولكن ما حدث للأسف كان عكس ذلك وهو ما دفع الكثير من فئات الشعب للارتداد على الثورة لأنهم وجدوا أن الحصاد يختلف كثيرا عما قاموا بزراعته فى الثورة، من قيم التسامح وإنكار الذات وقبول الآخر والتضحية من أجل الوطن.
وأرى أن الطريق الوحيد لتعديل مسار الثورة وتحقيق أهدافها هو المنهج الذى اتبعه نيلسون مانديلا، فى ثورة جنوب أفريقيا الذى قام على المصالحة الوطنية واستيعاب الجميع فى خدمة وطنهم وإعطاء الفرصة لكل من أخطأ فى العهد السابق أن يصلح ما أفسده ويفتح صفحة جديدة كمواطن صالح ينتمى للوطن فى ظل أجواء جديدة تكافح الفساد، ولكنها لا تغلق الأبواب فى وجه من يحاول أن يقوم نفسه ويسير فى ركب يتسع للجميع، فى خدمة وطنهم وأن يبدأ الجميع مهما كان الاختلاف فى انتماءاتهم وأفكارهم فى التفرغ للبناء وأن يكون الاختلاف تنوعا وثراء حضاريا لا وسيلة للتناحر والفرقة، وأن يكون التسامح وقبول الآخر هو عنوان المرحلة القادمة من أجل مصر